فضيلة الإمام أكبر د. محمد سيد طنطاوى
١. ومن فضائل شهر رمضان ومزاياه، اشتماله على ليلة القدر، التى مدحها الله تعالى فى قوله : (إنا أنزلناه فى ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هى حتى مطلع الفجر.
٢. والضمير المنصوب فى قوله تعالى(إنا أنزلناه) يعود إلى القرآن الكريم. وفى الإتيان بهذا الضمير للقرآن-مع أنه لم يجر له ذكر-تنويه بشأنه، وإيذان بشهرة أمره، حتى أنه ليستغنى عن التصريح به، لحضوره فى أذهان المسلمين. والمراد بإنزاله : ابتداء نزوله على النبى صلى الله عليه وسلم لأنه من المعروف أن القرآن الكريم قد نزل على النبى صلى الله عليه وسلم منجما فى مدة ثلاث وعشرين سنة تقريبا.
ويصح أن يكون المراد ب (أنزلناه) أى : أنزلناه جملة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك منجما على النبى صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام ابن كثير: قال ابن عباس: أنزل الله تعالى القرآن جملة واحدة، من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع، فى ثلاث وعشرين سنة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
۳. والقدر الذى أضيفت إليه الليلة، بمعنى الشرف والعظمة، مأخوذ من قولهم: لفلان قدر عند فلان، أى : له منزلة رفيعة، وشرف عظيم. فسميت هذه بذلك، لعظم قدرها، وسمو شرفها، إذ هي الليلة التى نزل فيها قرآن ذى قدر، بواسطة ملك ذى قدر، على رسول ذى قدر، لأجل إكرام أمة ذات قدر. هذه الأمة يزداد قدرها وثوابها عند الله تعالى إذا أحيت تلك الليلة بالعبادات والطاعات. أى: إنا ابتدأنا بقدرتنا وحكمتنا- إنزال هذا القرآن العظيم، على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فى ليلة القدر، التى لها ما لها عندنا من قدو وشرف عظيم.. لأن الطاعة فيها قدرا كبيرا، وثوابا جزيلا.
٤. وليلة القدر هذه، هى الليلة التى قال الله تعالى فى شأنها فى سورة الدخان: (إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم). وهذه الليلة، هى من ليالى شهر رمضان، بدليل قوله تعالى: (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرءان، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).
٥. وقوله سبحانه: (وما أدراك ما ليلة القدر) تنويه آخر بشرف هذه الليلة، وتفخيم لشأنها، حتى لكأن عظمتها أكبر من أن تحيط بها الكلمات والألفاظ. أى: وما يدريك بمقدار عظمتها، وعلو قدرها، إن الذى يعلم قدرها هو الله تعالى وحده. ثم بين سبحانه جانبا من مظاهر فضلها فقال: (ليلة القدر خير من ألف شهر) أى: هذه الليلة أفضل من ألف شهر، بسبب ما أنزل فيها من قرآن كريم، وبسبب أن العبادة فيها أكثر ثوابها، وأعظم قبولا من العبادة فى أشهر كثيرة ليس فيها ليلة القدر. والعمل القليل قد يفضل العمل الكثير، باعتبار الزمان والمكان، وإخلاص النية، وحسن الأداء، ولله تعالى أن يخص بعض الأزمنة والأمكنة والأشخاص بفضائل متميزة.
Sumber : Majalah Sout al-Azhar, Bil. (519), 14 Ramadhan 1430H/4 September 2009